الأحد، 22 يناير 2012

العـــلم أساس البناء الحضاري


بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: "فضل العلم في الإسلام" انطلاقا من قوله تعالى :" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"
بقلم الأستاذ: علال المديني
محور من ندوة نظمها المجلس العلمي المحلي لمدينة طرفاية بشراكة مع مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية 



العـــلم أساس البناء الحضاري

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
مقدمة : لقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماما بالغا.فقد كانت أولى آيات أوحى بها الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم – تجمع اعتراف العلم ووسائله في كل زمان ومكان قال عز وجل ":اقرأ باسم ربك الذي خلق ........."
فكان باب الإيمان العلم ، وكان العلم هو السبيل الوحيد إلى العلم – إن الله لا يعبد بجهل-.
   وقد مر معنا في بداية الندوة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ساوى بين طلب العلم والجهاد في سبيل الله :" من خرج يطلب علما فهو في سبيل الله حتى يرجع." 
وحديثي في هذا المحور سيكون عن دور العلم في البناء الحضاري للأمة الإسلامية وهو على النحو التالي              
                       *  أولا : دور العلم في البناء  والازدهار الحضاري  
                       *  ثانيا: العلم دليل العمل:
                       *  ثالثا: العلم ينفع في الدنيا والآخرة 
                       *  رابعا: ضياع العلم مؤذن بخراب الدنيا
أولا : دور العلم في البناء  والازدهار الحضاري
            أقام الإسلام حضارته الرفيعة على منهج العلم والمعرفة والعقل والبحث والتجربة والاستنباط تقديراً منه لحيوية العلوم في بناء الدولة والمجتمع فابتدأ بالقضاء على الجهل والأمية والتنديد بالتقليد الأعمى ثم أشاد بالعلم والعلماء في مختلف الاختصاصات الشاملة لكل إدراك يفيد الإنسان في القيام برسالته في الحياة وهي تعمير الأرض والاستفادة من خيراتها وكنوزها كما يرشد إليه قوله تعالى : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) . ولقد تميزت حضارة الإسلام على أنها حضارة علمية تهتم بالعلم والبحث العلمي ورفعته إلى درجة العبادة. والإسلام لم يعرف أبدا خصومة مع العلم كما هو الحال مع الديانة المسيحية المحرفة، ونحن نعرف المحنة التي عاشها العلماء في الغرب مع الكنيسة ورجال الدين، وصلت إلى حد القتل كما حدث مع كاللي العالم الفلكي في قضية دوران الأرض.
ولولا الحضارة الإسلامية لا ضاع العلم  ولا تأخرت البشرية ألاف السنين ولما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن فنهضة الغرب في القرن الخامس عشر كانت عبر العالم الإسلامي من خلال الترجمة والبعثات الطلابية التي كانت ترسل إلى العالم الإسلامي ومنها المغرب، وهذه حقيقة لا ينازع فيها عاقل وهي شهادة وتقرير من علماء ومفكرين غربيين قبل أن يؤكدها علماؤنا، يقول العالم غوستاف لوبون :" كان المسلمون يفوقون النصارى كثيرا في الأخلاق والعلوم والصناعات". ونقف مع نص أخر أكثر تعبيرا للعالم والطبيب الفرنسي الكبير موريس بوكاي في كتابه الرائع " القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم" يقول:"... ولكم نحن مدينون للثقافة الإسلامية في الرياضات (الجبر) وعلم الفلك والفزياء (بصريات) والجولوجيا وعلم النباتات والطب (ابن سينا) إلى غير ذلك. لقد اتخذ العلم لأول مرة صفة العالمية في جامعات العصر الوسيط الإسلامية..... كان العلم الإخ التوأم للدين..... وكانت البلاد المسيحية في تلك الفترة في القرون الوسطى في ركود وتزمت مطلق توقف معه البحث العلمي..."
  ويقول الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "الدين والعلم":" لا خصومة عندنا -نحن المسلمين – بين الدين والعلم ، وأن العلم عندنا دين ، والدين عندنا علم ، وأن حضارتنا هي الحضارة التي جمعت بين العلم والإيمان".
  أيها الحضور الكرام أيها السادة إن الحضارة لا قيام لها إلا بالعلم . و  ريادة وقيادة العالم لا يكون إلا بالعلم. والمسلمون عندما كانوا يهتمون بالعلم وطلبه وكانت المدارس والمساجد تكتظ بطلاب العلم بدل المقاهي والساحات كانت لنا الريادة و القيادة كما أردها الله لنا "كنتم خير أمة أخرجت للناس". والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم إلا من خلال اهتمامه بالعلم واعتباره مفتاح التقدم . فالحضارة لا تبنى بالكسل والجهل والأمية وإنما تبنى بالعلم والعمل ، ولا بد من الإشارة في نهاية العنصر أن طلب العلم لا يرتبط بسن معين ولا بجنس وإنما طلب العلم من المهد إلى اللحد وفريضة على كل مسلم ومسلمة.
ثانيا: العلم دليل العمل:
  ومن فضائل العلم أنه يسبق العمل، ويدل عليه ويرشد إليه. وهذا ما ذكره الإمام البخاري في كتاب"العلم" من صحيحه واستدل عليه من القرآن الكريم  قال: : " باب العلم قبل القول والعمل" ،لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد:19 ]
فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم
والعلم إمام العمل وقائد له، والعمل تابع له ومؤتم به. فكل عمل لا يكون خلف العلم مقتديا به فهو غير نافع لصاحبه بل مضرة عليه كما قال بعض السلف : من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح".
والأعمال إنما تتفاوت في القبول والرد بحسب موافقتها للعلم ومخالفتها له ، فالعمل الموافق للعلم هو المقبول والمخالف له هو المردود فالعلم هو الميزان وهو المحك.
-        وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" وذلك لأن العلم يسبق العمل ويدل عليه، ويرشد إليه، فهو دليل له من ناحية، وشرط لقبوله من ناحية أخرى. فلا عمل بدون علم معنى ذلك أنه  كلما وجد العمل لزم وجود الفعل.
-         وفضل العلم على العبادة لأن نفع العلم متعد ونفع العبادة قاصر، فالعبادة تنفع صاحبها والعلم ينفع الكافة ثم إن نفع العبادة غالبا ما ينتهي بالفراغ منها ولكن العلم يبقى إلى ما شاء الله. ولأن العلم من صفات الله تعالى والعمل من صفات المخلوقين.
-        وبدون العلم يمكن أن يعتقد المرء الباطل وهو يحسبه حقا، ويرتكب البدعة وهو يظنه سنة، ويتورط في الحرام وهو يتوهمه حلالا، ويسقط في الرذيلة وهو يتصورها فضيلة ، ولهذا كان من الأدعية المأثورة "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه" وحتى لا يكون المرء ممن:"زين له سوء عمله فرآه حسنا".
ثالثا: العلم ينفع في الدنيا والآخرة
  ومن فضل العلم ومزاياه أن نفعه لأهله لا يقتصر على ثواب الآخرة وحدها،بل ينفعهم في الدارين ويجمع لهم بين الحسنين، ويرفع درجاتهم عند الله وعند الناس.
 قال الإمام الحسن البصري في تفسير قوله تعالى :"ربنا أتنا في الدنيا حسنة" ( هي العلم والعبادة ) "وفي الآخرة حسنة"(هي الجنة).
والعلم يرفع الله به أمما ويجعلها في الصدارة ومتزعمة العالم كما كان حال المسلين في القرون الأولى وكما هو حال الغرب الآن. لذلك نجد علماؤنا رحمهم الله تعالى ركزوا على تعلم العلم وطلبه وجعلوه من أولويات المسلم بعد الفرائض فهذا الشافعي رحمه الله تعالى يقول: ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وأما الإمام مالك رحمه الله تعالى روى عنه ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول:" إن قوما ابتغوا العبادة، وأضاعوا العلم ، فخرجوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم، ولو ابتغوا العلم لحزهم عن ذلك".
    إن تأثير العلم على الحياة الاقتصادية واضح جدا من خلال المقارنة  بين نسبة الأمية ومستوى الدخل القومي  فهما مرتبطان ببعضهما  . لقد أصبح معروفاً أن تدني الناتج القومي مرتبط ارتباطا مباشرا بتدني الإنتاجية وشيوع البطالة. فتدني الإنتاجية أو ارتفاعها مرتبط بمستوى الحالة التعليمية للعامل والموظف. وتعتبر الأمية أهم العناصر المؤثرة في تدني الإنتاجية لدى العامل الأمي كما يعتبر التعليم العنصر الرئيسي في ارتفاع إنتاجية عامل آخر يعمل في نفس الظروف التي يعمل فيها العامل الأمي، فنسبة الأمية ومستوى الدخل القومي مرتبطان.
   كما تؤكد دراسات لحالات الفقر وجود ارتباط بين الفقر والأمية وارتباط هذه الأخيرة بمشكلة البطالة، وكذلك على صعيد أنماط السلوك الاجتماعي فإن الأمية لها تأثيرها في سلوك الأفراد تجاه قضايا مثل التربية والمشاركة السياسية والسلامة النفسية والبدنية والصحية للأبناء، واستغلال الموارد والتطور الثقافي والعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة أو بين أفراد المجتمع. كما توجد صلات وثيقة بين التعليم والصحة والتغذية ، و نلاحظ أنه كلما كانت الأم متعلمة انخفض عدد وفيات الأطفال ، وملاحظة العلاقة بين التعليم والتطور تظهر أن عمليتي التطور والتغيير تحدثان بانسجام وفي وقت أسرع في المجتمعات التي ينتشر التعليم بين أفرادها .
رابعا: ضياع العلم مؤذن بخراب الدنيا
      وقد نبهت الأحاديث الصحيحة إلى حقيقة مهمة، وهي أن الحياة بغير علم لا تستحق البقاء وأن ضياعه أو إضاعته نذير بخراب الدنيا، وأن الساعة على الأبواب. روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل،(وفي رواية :يقل العلم ويكثر الجهل) ويشرب الخمر ويظهر الزنى). وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالم،اتخذ الناس رؤوسا جهالا . فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". واتخاذ الجهال قادة في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والعلمية سيكون لا محالة الفوضى والضياع وانتشار الظلم والجهل. وفي النهاية ضياع للحق وللحياة وللإسلام. فقد قال أحد السلف :"ذهاب الإسلام على أيدي أربعة أصناف من الناس :صنف لا يعملون بما يعلمون، وصنف يعملون بما لا يعلمون، وصنف لا يعلمون ولا يعملون، وصنف يمنعون الناس من التعلم".
خاتمة: أيها الحضور الكرام لا أحد ينكر بأننا نعيش في عصر العلم، ولا أحد ينكر أو يتجاهل بمرارة أننا المسلمين نعيش في حالة من التخلف والأمية والفقر فلا يعقل أمة "اقرأ" توجد بها نسب عالية من الأمية. ولتعلموا  أن العالم رغم ما وصل إليه من العلم والتقنية فإنه يعيش في حالة من الفوضى والظلم ولا استقرار وأنه مهدد بالانفجار في أي لحظة والسبب هو انفصال العلم عن الأخلاق والإيمان وعن هدي الشرع وتوجيه الوحي . وهذه مسؤولية على عاتق أمة الإسلام لا بد فيها من تضافر الجهود بين جميع الأطراف من دولة ومن المؤسسات العلمية والدينية ومن الأسر والتلاميذ والطلاب والأساتذة
                                                                                       والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.